مقدمة كتاب
ليالي « بيشاور »

سفر قيّم ، يضمّ مناظرات وحوار في مواضيع خلافية عديدة ، أهمّها إمامة وولاية أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام وخلافته الشرعية للرسول الأمين صلى الله عليه وآله بلا فصل ، والاستدلال عليها من الآيات القرآنية والأحاديث النبويّة الشريفة ، وعقائد الإمامية ، والأدلة العقلية والنقلية لإِثباتها .

جرت هذه المناظرات الودّية المبنية على النقاش العلمي ، والمنطق البعيد عن التعصّب والمجرّد عن التقليد والأهواء ، بين أحد علماء الإماميّة ـ المصنّف قدس سره عندما كان في الثلاثين من عمره ـ وبين محاوريه من كبار علماء العامّة المعاصرين له ، وبحضور جموع غفيرة من أبناء الطائفتين في دار أحد وجهاء مدينة « بيشاور » الباكستانيّة ، وبحضور ما يقرب من 200 كاتب من الفريقين للتدوين والتوثيق وتسجيل ما يجري من حوار ومسائل وأجوبة وردود وشبهات ، وكذلك أربعة من الصحفيّين لكتابة ما يدور في هذه المجالس من المناقشات بكلّ جزئيّاتها ونشره في اليوم التالي في الصحف والمجلات الصادرة هناك في ذلك الوقت .

أُقيمت هذه المجالس ـ بناءً على طلب بعض علماء العامّة وكبار شخصياتهم ـ لمدّة 10 ليالٍ ، من ليلة الجمعة 23 رجب سنة 1345 هـ إلى ليلة الأحد 3 شعبان من السنة نفسها؛ وعقب انتهائها أعلن عدّة من الحاضرين تشـيّعهم والتزامهم بمذهب الحقّ مذهب أهل البيت عليهم السلام .

كان قد صدر الكتاب سابقاً بالفارسية .

ترجمة وتحقيق : السـيّد حسين الموسوي .

صدر في بيروت سنة 1419 هـ .

مقدمة المترجم

جدير بأن نسمي عصرنا بعصر الحوار والتفاهم .

لقد حان الوقت ليتصارح المسلمون بأمورهم العقائدية حتى يظهر الحق وتتوحد كلمتهم عليه ، فإن الوحدة الإسلامية ، أمنية جميع المسلمين .

ولأننا لمسنا أن التفرقة هي بغية أعدائهم ، وهي الوسيلة التي استعملها أعداء الدين والمستعمرون لفرض سيطرتهم على البلاد الإسلامية ونهب خيراتها وبث مبادئ الكفر والإلحاد والضلال والفساد بين أبناء الإسلام الحنيف .

وبما أن الوحدة الإسلامية ضرورة ملحة ، وهي لا تتم إلا بالصدق والحوار الإيجابي البناء بلا تعصب ولا عناد مع تحكيم القرآن والعقل والوجدان الحر ، في اختيار أحسن القول ، كما أمر بذلك رب العباد في قوله العزيز : ( فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) (الزمر آية 18) ، فيلزم على المسلم الكامل والإنسان العاقل ، أن يكون بصيرا في أمر دينه ، عالما بقضايا مذهبه ، لا يقبل قولا ولا يتمسك به إلا عن دليل وبرهان ، حتى يصبح في أمره على يقين وإيمان .

لأنه إذا سلك طريقا وتمسك بعقائد ومبادئ بغير علم يسنده ولا دليل يعضده وبرهان يرشده ، فسيكون كمن أغمض عينيه ولزم طريقا طويلا يمشي فيه على أمل أن يوصله إلى مقصده ومنزله ، حتى إذا أصاب رأسه الحائط ، فأبصر وفتح عينيه ، فإنه سوف يرى نفسه بعيدا عن مقصده ، تائها ضالا عن سواء الصراط .

فمن لم يحقق في الأمور الدينية ولم يدقق في القضايا المذهبية ، بل ذهب إلى مذهب آبائه ولزم سبيل أسلافه ، فربما فتح عينيه بعد جهد طويل ، فيرى نفسه تائها قد ضل السبيل .

ولذا عبر الله العزيز الحكيم عن هكذا إنسان بالأعمى فقال : ( ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ) (الإسراء 72) .

ولإنقاذ المسلمين من العناد والتعامي قدمت على تعريب هذا الكتاب القيم من اللغة الفارسية إلى العربية ، لعله يحقق شيئا من هذا الهدف السامي . راجيا أن يترك في المسلمين أثرا إيجابيا ، فيقرب قلوبهم ويوحد صفوفهم وكلمتهم ، ويجمعهم على كلمة الله سبحانه بالحق والإصلاح ، والسعادة والفلاح ، ولقد أدركت مؤلف هذا الكتاب المرحوم آية الله السيد محمد ( سلطان الواعظين ) وحضرت مجلسه وسمعت حديثه ومواعظه .

فلقد كان رحمة الله عليه رجلا ضخما في العلم والجسم ، ذا شيبة وهيبة ، وكان جسيما وسيما ذا وجه منير ، قل أن رأيت مثله ، وكان آنذاك يناهز التسعين عاما من عمره الشريف ، ولقد شاركت في تشييع جثمانه الطاهر في مدينة طهران ، حيث عطلت أسواق عاصمة إيران لوفاته وخرجت حشود عظيمة في مواكب عزاء حزينة وكئيبة ، ورفعت الرايات والأعلام السوداء معلنة ولائها وحبها لذلك العالم الجليل والسيد النبيل .

ولا أذكر تاريخ وفاته بالضبط ، ولكن كان في العقد الأخير من القرن الرابع عشر الهجري ، واشهد الله العزيز أني لما بدأت بتعريب هذا الكتاب رأيت ذلك السيد العظيم مرتين في الرؤيا ، وكان مقبلا عليا مبتسما ضاحكا في وجهي ، وكأنه يشكرني على هذا العمل .

فأسأل الله تبارك وتعالى أن يتغمده برحمته الواسعة وان يتقبل هذا المجهود منه ومنا ويجعله ذخيرة لآخرتنا ولكل من ساعد وسعى في نشر هذا الكتاب ، إنه سميع الدعاء .

قم المقدسة       
حسين الموسوي     
28 شوال 1419هـ   
الموافق 14 فبراير 1999م

تمهيد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد رسوله المصطفى ، وعلى آله الطيبين الطاهرين .

وبعد :

إن هذا الكتاب الذي بين يدي القارئ الكريم ، هو الكتاب القيم ((ليالي بيشاور )) لمؤلفه الكبير : سماحة السيد محمد الموسوي ، الملقب بـ : ( سلطان الواعظين الشيرازي ) .

وقد كتب مقدمة طويلة لكتابه استغرقت ما يقرب من مائة صفحة من كتابه القيم هذا ، تطرق فيها على أهمية التقارب بين المسلمين ، وإلغاء الخلافات والخصومات التي بثها الأعداء في أوساطهم .

وحث فيها على الوحدة الإسلامية والأخوة الدينية التي ندب الله المسلمين إليها ، وحرض على الاعتصام بحبل الله الذي دعاهم القرآن للتمسك به والالتفاف حوله .

وحذرهم عواقب التشتت والتفرق ، وذكرهم الله من الوقوف بعيدا والاكتفاء بالتفرج ، أو الابتعاد والاشتغال ـ لا سمح الله ـ بقذف بعضهم بعضا بما يسخط الرحمن ويؤذي حبيبه المصطفى ، الذي بعثه الله رحمة للعالمين ، وأرسله ليتم به مكارم الأخلاق ، معالي الشيم والفضائل الإنسانية ، وجمع الناس على التوحيد .

وندبهم إلى ما ندب إليه القرآن من التعارف فيما بينهم ، قال تعالى : ( لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )(1) مرتئيا أن أفضل الطرق للتعارف هو الحوار الحر ، والنقاش العلمي البحت ، والمناظرة المنطقية البعيدة عن كل تعصب ، والمجردة عن التقاليد والأهواء ، من الخلفيات الشائنة .

وقد اشترك هو( قدس سره ) ـ بدعوة من أصدقائه ومعارفه في بيشاور(2) ـ في مجالس المناظرة التي عقدت له بهذا الشأن ، والتي اشترك فيها كبار علماء السنة لمعاصرين له آنذاك ، وقد استمرت المناظرة ليالي عديدة استغرقت عشرة مجالس ، نشرتها في حينها جرائد الهند وصحفها ، وتلقاها الناس بالقبول والترحيب .

ثم وفق المؤلف ـ رحمه الله ـ إلى جمعها في هذا الكتاب بدقة ، وطلب منهم مواصلة قراءته من الصفحة الأولى حتى الصفحة الأخيرة ، وذلك لترابط البحث وتسلسله ، مما يؤدي قطعه إلى ضياع الموضوع ، وعدم الاستفادة الكاملة من البحث .

ولما كان الكتاب باللغة الفارسية ، وقد أجاز ـ قدس سره ـ في المقدمة ترجمة الكتاب ـ ترجمة أمينةـ إلى سائر اللغات ، حاولنا ترجمته إلى اللغة العربية ، مساهمة منا في هذه الخدمة الإنسانية النبيلة ، بغية التوصل إلى الحق ، والتعرف على الواقع والحقيقة ، ومشاركة منا في ما دعانا إليه كتاب الله وسنة رسوله الكريم وسيرة أهل بيته الطاهرين ، من : التعارف والتقارب ، والتوحيد والتآخي ، و أخيرا نيل العزة والسعادة في الدنيا ، والنجاة والفوز بالجنة في الآخرة ، إن شاء الله تعالى .

مقدمة المؤلف

قال السيد المؤلف :

سافرت إلى العتبات المقدسة في شهر ربيع الأول عام 1345هـ ، وكان لي من العمر ثلاثون سنة ، فتشرفت بزيارة مراقد الأئمة الأطهار من آل النبي المختار ( صلوات الله وسلامه عليه وعليهم ) في العراق ، ومنها عزمت على السفر إلى الهند وباكستان بغية السفر منهما إلى خراسان والتشرف بزيارة الإمام الرضا عليه السلام ، فوصلت ـ كراتشي ـ وهي مدينة ساحلية تعد من أهم الموانئ في المنطقة .

وما إن وصلت إليها وانتشر خبر وصولي في أهم الصحف هناك ، فاجأتني دعوات كثيرة من الاخوة المؤمنين الذين كانت بيني وبينهم معرفة سابقة ومودة قديمة ، وكان لا بد لي من إجابة تلك الدعوات الكريمة ، وإن كانت تستوجب مني قطع مسافات بعيدة ، وشدّ الرحال من مدينة إلى أخرى ، ومن بلد إلى آخر .

فواصلت سفري إلى مدينة بومبي ، وهي ـ أيضاـ من أكبر مدن الهند وأعظم الموانئ فيها ، فاستقبلني المؤمنون الذين دعوني إليها ومكثت فيها ضيفا معززا بين أهلها ليالي وأياما .

ثم تابعت السفر على مدينة (دهلي) ومنها إلى (آكره) و(لاهور) و(بنجاب) و( سيالكوت) و( كشمير) و(حيدرآباد) و(كويته) وغيرها ...

وقد استقبلني كثير من الناس وعامة المؤمنين في هذه المدن بحرارة فائقة فكانوا يرحبون بقدومي ويحيوني بهتافات وتحيات على العادات والرسوم الشعبية المتعارفة هناك .

وفي أيام وجودي في تلك المدن المهمة التي سافرت إليها ، كان العلماء من مختلف المذاهب والأديان يزورونني في منزلي ، وكنت أرد لهم الزيارة في بيوتهم ، وكان غالبا ما يدور بيني وبينهم محاورات دينية ومناظرات علمية مفيدة ، كنت أتعرف من خلالها على عقائدهم ، وهم يتعرفون على عقائدي .

ومن أهم تلك المناقشات والمحاورات ، حوار ونقاش دار بيني وبين البراهمة والعلماء الهندوس في مدينة (دهلي) ، وكان ذلك بحضور قائد الهند ومحررها من الاستعمار الزعيم الوطني غاندي .

وكانت الصحف والمجلات تنشر ـ عبر مراسليها ـ كل ما يدور في المجلس من الحوار بالتفصيل ، وبكل أمانة وصدق .

وكانت نتيجة تلك المناظرات أن ثبت الحق وزهق الباطل ، إن الباطل كان زهوقا ، فقد خرجت من الحوار منتصرا على المناظرين ، وذلك بالأدلة العلمية والبراهين العقلية ، حتى ثبت للحاضرين في المجلس أن مذهب أهل البيت ـ الذي هو مذهب الشيعة الجعفرية الاثنى عشرية ـ هو المذهب الحق ، وأنه أحق أن يتبع ، وأنا أقول مرددا ( الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله )(3).

السفر إلى سيالكوت

ثم سافرت إلى مدينة ( سيالكوت) بدعوة خاصة من (( الجمعية الاثنا عشرية )) التي كان يرأسها صديقي الوفي الأستاذ أبو بشير السيد علي شاه النقوي ، مدير تحرير مجلة (( در النجف)) الأسبوعية .

وعندما دخلت هذه المدينة لقيت استقبالا حافلا وتجمعا من مختلف الطبقات ، ومن حسن الحظ أني وجدت ضمن المستقبلين زميلا لي ، كان وليا مشفقا ، وهو الزعيم ( محمد سرور خان رسالدار) ابن المرحوم ( رسالدار محمد أكرم خان ) وأخ الكولونيل ( محمد أفضل خان ) وهو من أكبر شخصيات أسرة (قزل باش) في ولاية (البنجاب) .

وتعود معرفتي بهذه الأسرة الكريمة إلى عام 1339هـ في مدينة كربلاء المقدسة ، حيث كانوا قد تشرفوا آنذاك لزيارة مراقد الأئمة الأطهار من آل النبي المختار ( صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين ) وسكنوا فيها ، كما وكانت لهم مناصب حكومية مرموقة في ولاية البنجاب .

وكان ( محمد سرور خان ) هذا رئيس شرطة ( سيالكوت) وكان أهل البلد يحبونه ويحترمونه لشجاعته وحسن سيرته وديانته .

فما أن رآني حتى ضمني إلى صدره ، ورحب بقدومي ، وطلب مني أن أحل ضيفا عنده وأنزل مدة إقامتي ـ هناك ـ في بيته ، فقبلت دعوته وذهبت معه ، وشيعني المستقبلون إلى ذلك البيت الرفيع .

وفور نزولي ضيفا هناك نشرت صحف ولاية ( البنجاب) خبر وصولي إلى سيالكوت فكانت الوفود والرسائل ـ رغم عزمي على السفر إلى إيران لزيارة الإمام الرضا عليه السلام ـ تتسابق في دعوتي إلى زيارة بلادهم ومدنهم .

وأخص بالذكر سماحة حجة الإسلام السيد علي الرضوي اللاهوري ، العالم الجليل ، والمفسر النبيل ، صاحب تفسير (( لوامع التنزيل )) ذي الثلاثين مجلدا ، وكان يسكن مدينة لاهور ، فدعاني بإلحاح منه وإصرار إلى هناك ، فاستجبت لدعوته ، وذهبت ملبيا طلبه .

كما وتلقيت فيها أيضا دعوة كريمة من إخواني المؤمنين من أسرة قزل باش ، الذين كانوا من شخصيات ورجال الشيعة المعروفين في ولاية ( البنجاب) ، وكانت دعوتهم لي لزيارة مدينة ( بيشاور) وهي آخر مدينة حدودية مهمة تربط ولاية البنجاب بأفغانستان .

ولما تلقيت تلك الدعوة ، ألحّ عليّ الزعيم ( محمد سرور خان) ـ مضيفي الكريم ـ بأن لا أرد دعوة أفراد أسرته ورجال قومه من ( بيشاور) ورجاني أن ألبي دعوتهم وأذهب إليهم .

في بيشاور

ثم إني عزمت على الذهاب إلى بيشاور ، فسافرت إليها في اليوم الرابع عشر من شهر رجب الحرام ، وحين وردتها استقبلني أهلها استقبالا حافلا قل نظيره في تلك المدينة ، وكان على رأس المستقبلين رجالات ووجهاء أسرة قزل باش .

ولما استقر بي المكان طلبوا مني بإصرار أن أرتقي المنبر وأخطب فيهم ، ولما لم أكن أجيد اللغة الهندية ، لم أوافق على ارتقاء المنبر ، ولم أخطب طول سفري في الهند ، رغم طلباتهم المتكررة .

ولكن لما كان أهالي بيشاور يجيدون اللغة الفارسية ، وكان أكثرهم يتكلم بها ، حتى كادت اللغة الفارسية أن تكون هي اللغة الدارجة فيها ، لبّيت طلبهم وقبلت أن أخطب فيهم بالفارسية .

فكنت أرتقي المنبر وقت العصر في الحسينية التي أسسها المرحوم ( عادل بيك رسالدار) وكانت مؤسسة ضخمة تتسع لضم الجماهير الغفيرة من الناس ، وكانت تمتلئ بالحاضرين ، وهم ليسوا من الشيعة فحسب ، بل فيهم كثير من أصحاب والمذاهب المختلفة ـ الإسلامية وغيرها ـ .

موضوع البحث

ولما كان أكثر أهالي بيشاور مسلمين ، ومن العامة وكانوا يحضرون في المجلس مع كثير من علمائهم ومشايخهم ، جعلت موضوع البحث هو : الإمامة ، فكنت أتكلم حول (( عقائد الشيعة )) وأبيّن دلائل الشيعة العقلية والنقلية لإثباتها ، وأذكر النقاشات ، في المسائل الخلافية مع العامة .

وعلى أثرها طلب مني علماء السنة وكبار شخصياتهم الذين كانوا يحضرون البحث أن اجتمع بهم في لقاء خاص للإجابة عن إشكالاتهم ، فرحبت بهم ولبيت طلبهم .

فكانوا يأتون في كل ليلة إلى البيت ، ويدور البحث بيننا ساعات طويلة حول المواضيع الخلافية من بحث الإمامة وغيرها .

من بركات المنبر

وفي يوم من الأيام عند نزولي من المنبر أخبرني بعض الحاضرين من أصدقائي بأن عالمين كبيرين من مشايخ العامة وهما : الحافظ محمد رشيد ، والشيخ عبدالسلام ، وكانا من أشهر علماء الدين في (كابل)[عاصمة أفغانستان] ـ ومن منطقة تدعى ضلع ملتان ـ قد قدما إلى بيشاور ليلتقيا بي ويشتركا مع بقية الحاضرين في الحوار الدائر فيما بيننا كل ليلة ، وطلبوا مني السماح لهما .

فأبديت سروري ورضاي بهذا النبأ ، واستقبلتهما بصدر منشرح وقلب منفتح ، ورحبت بقدومهما وجالستهما مع جماعة كبيرة من أصحابهما في ساعات كثيرة .

فكانوا يأتون بعد صلاة المغرب إلى المنزل الذي نزلت فيه للمناظرة ، وذلك لمدة عشر ليال متتالية ، وكان النقاش والحوار يدور حول المسائل الخلافية بيننا ، ويطول إلى ست أو سبع ساعات ، وربما كان البحث والحوار يستمر بنا أحيانا إلى طلوع الفجر ، كل ذلك بحضور شخصيات ورجال الفريقين في بيشاور .

ولما انتهينا من المحاورة والمناظرة في آخر ليلة من المجلس ، أعلن ستة من الحاضرين ـ من العامة ـ تشيعهم ، وكانوا من الأعيان والشخصيات المعروفة في المدينة .

ومن حسن التقدير أنه كان يحضر مجلسنا ما يقرب من مأتي كاتب من الفريقين ، إذ كانوا يشتركون مع الحاضرين في مجلس المناظرة للكتابة ، فكانوا يكتبون المواضيع المطروحة ، ويسجلون الحوار والنقاش وما يجري من مسائل وأجوبة وردود وشبهات ، بأقلام أمينة وعبارات وافية وجميلة .

وكان بالإضافة إلى أولئك الكتاب ، أربعة من الصحفيين يكتبون أيضا ما يدور في المجلس بكل جزئياته ، ثم ينشرون ما يدونوه من المناظرات والمناقشات في اليوم الثاني في الصحف والمجلات الصادرة هناك .

ويضيف المؤلف ـ رحمه الله ـ بعد ذلك : بأنه سيعرض على القارئ الكريم في هذا الكتاب الذي سماه : (( ليالي بيشاور )) ما نقلته تلك الصحف الرصينة ، وسجلته تلك الأقلام الأمينة ، وما سجّله هو بنفسه من نقاط مهمة عن تلك الليالي لتاريخية القيمة .

ثم يدعو الله العلي القدير أن ينفع به المسلمين ، ويجعله ذخيرة له في يوم الدين ، وكان قد كتبه وفرغ من تأليفه في طهران .

العبد الفاني         
محمد الموسوي       
((سلطان الواعظين الشيرازي))

____________

(1) سورة الحجرات، الآية 13.

(2) وهي على الحدود الباكستانية الأفغانية.

(3) سورة الأعراف، الآية 43.